بقلم : عاصم عرابى


كعادتى فى صباح كل يوم جديد وباسلوب روتينى ممل متتابع كدقات الساعة التى توقظنى عند الساعة التاسعة صباحا استيقظت لأرى الغرفة تكمن كعادتها فى هذا الصمت المطبق فقمت من فراشى وأنا مغمض العينين لأتجه إلى حمامى كى اخذ حماما سريعا حتى استيقظ من نومى فلم أر شئ يتغير فيما حولى السرير كما هو التلفاز كما هو لم يتغير شئ إلا
ذلك الاحساس الذى يغمرنى منذ أن فتحت عينيى من النوم الذى زاد عندما ذهبت إلى الشارع حيث تغيرت مواصفات الشارع ومكوناته فلم أجد الحركة المستمرة والطاحنة فى هذا الشارع التجارى ولم أر الصوت العالى والخلافات بين البائعين وبين الزبائن ولم أر الشباب الذين يقفون يوميا على رأس هذا الشارع فى انتظار فتيات المدارس لمعاكستهم ولم أر العمال الذين يقبعون فى هذا المكان كل يوم فى انتظار أن يأتى إليهم من يطلب أحد يعمل عنده فى تكسير أو ما شابه بل وجدت الجميع مجتمعا كمجموعات فى المقاهى أو فى المحال التجارية يجلسون أمام التلفاز باهتمام شديد وبعصبية أشد وظننت أنه مباراة للكرة تجذبهم ولكنه لم يكن كذلك لأننى اقتربت لاستطلع ما يجرى فلم يكن ما رأيته طبيعيا فى مصر فاستنتجت بأنه إما فى العراق أو فلسطين ولكن زى الأمن كان يشبه الأمن المركزى فظننت أنها اضغاث أحلام وقلت إنها بالتأكيد فى إحدى الدول الأخرى حيث أننى رأيت بعض الشباب يهرولون هنا وهناك وهم يحملون بعض اللافتات المكتوب عليها تغيير ...حرية...عدالة اجتماعية ومكتوب أيضا تحيا مصر فعلمت أن هذا فى مصر ولكنى لم أصدق أيضا فلقد ظننت أن الشعب المصرى من الظلم والقهر قد مات وولت كرامته وضمائره  فكان يهرول الشباب هنا وهناك ويهرول الأمن المركزى ورائهم ومن كان يقع فى قبضتهم كان يصير طحينا حيث يتكالبون عليه ويشبعوه ضربا حتى تتكسر عظامه فسالت أحد الجالسين : أين يحدث كل هذا؟ ومتى حدث؟ فإذا به ينظر إلىًُّ نظرة ويسأل باستنكار شديد : ألا تعرف ماذا يجرى؟ فقلت له : لا أعرف ماذا يحدث
فقال لى : أنت مش عايش فى البلد ولا ايه
فقلت له بنفاد صبر : اخبرنى بسرعة
فرد على آخره وقال : ذهب بعض الشباب لميدان التحرير فى عيد الشرطة 25 يناير للاحتجاج على ممارساتهم ضد الشعب المصرى ويطالبون بإقالة النظام  فقلت أخيرا استفاق هذا الشعب من غفوته وخرج ليقول كلمة لا التى ظننت أننا نسينا كيفية نطقها فلم أكن اتصور يوما أن الشعب المصرى سيثور يوما على هذا الفساد والظلم الذى جثم على صدورنا لأكثر من ثلاثين عاما فتابعت ما يحدث على شاشات التلفاز باهتمام شديد وخوف على هؤلاء الشباب فأنا أرى الأمن المركزى وهو يضربهم بكل قوة فما أن يسقط أحدهم حتى يكون فى خبر كان وإذا بى أرى سيارة الأمن المركزى تذهب إلى المتظاهرين لدهسهم من غير شفقة ولا رحمة فى نفس الوقت سمعت صوتا من أحد الشباب المارين بجوار المقهى وهم يقولون إنهم ذاهبون إلى التحرير فترددت بعض الوقت ولكنى حسمت أمرى أخيرا بأن أذهب لمساندة إخوانى فى التحرير المطالبين بالحرية فأنا ابن من ابناء هذا الوطن وواجب علىًّ أن أدافع عنه ضد هذا الفساد ووجدت نفسى أقول لهم وأنا معكم من الذاهبين وحاول بعض الأصدقاء منعى من ذلك ولكننى لم استطع أن أجلس أمام التليفزيون لاشاهد ما يحدث ولا استطيع فعل شئ كمن يشاهد مباراة لكرة القدم فحسمت أمرى وذهبت معهم وكان ليس لنا هدف غير ميدان التحرير فاستقلينا سيارة وذهبنا بها حيث أن المترو كان معطلا وقابلتنا بعض دوريات الأمن لمنعنا من الذهاب ولكننا تجاوزناها ووصلنا ميدان التحرير لنرى عالما آخر عالم من النضال عالم من الأبطال عالم تدور فيه رحى الحرب بين الحق والباطل بين الشعب والطغاة بين المتظاهرين والأمن المركزى وكانوا يهتفون بصوت رجل واحد :الشعب يريد اسقاط النظام ..اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام كان هتافا يلمس القلوب قبل الآذان لأنه كان يخرج من القلوب ولكنه لم يكن يدخل قلوب رجال الأمن وكأن قلوبه من حديد فلم يكن جنود وضباط الأمن المركزى إلا آلات لقتل الثوار فلم يكن يسقط أحد الثوار حتى يشبعوه ضربا أو يقتلوه بلا رحمة أو هوادة فانضممت إلى ثوارنا  ووجدتهم لا يحملون سلاحا إلا الحجارة التى اقتلعوها من بعض الأرصفة وبعض قنابل الملوتوف المصنوعة يدويا من بعض الزجاجات يرسلونها على جنود الأمن ويستقبلون رصاصاتهم وقنابلهم المسيلة للدموع فكنت عندما تنظر إلى شباب التحرير سوف تكتشف مباشرة أن هذا الشباب ليس أمامه خيارا ولم يأت إلا لهدفين الانتصار على هذا الفساد أو الشهادة فى سبيل الله وفى سبيل دفاعة عن حقوقه المسلوبة ودفاعه عن وطنه فلم يكن أحد منهم يهاب الموت فكانوا رجالا أشداء يقفون وقفة رجل واحد ضد الظلم فسقط أحدهم من أثر قنابل الغاز الخانقة فى سرعة البرق ذهبنا إليه لجره وتخبئته فى أحد الأماكن وإفاقته ومعالجته من آثار الغاز والجروح التى اصابته فاصابوا الكثير منا ونحن اصبنا الكثير منهم ولكن هناك الفرق فنحن معنا الحق أما فليس بحوزتهم إلا الباطل والحق أقوى بكثير فالحق يجعل صاحبه قويا وبعد كر وفر من الجانبين أظلم الليل علينا ونحن نقاتل وذهبوا هم بعيدا وأعددنا العدة للاعتصام وتأمين الميدان من أى محاولة للغدر وجلسنا نتسامر ونتناقش فى بعض الأمور وكان يتطوع بعض الأشخاص من القاطنين قريبا بأن يأتى لنا بالماء والطعام وكان هناك رجلا يتبرع بمد كهرباء لشحن طاقة الهواتف المحمولة التى كانت وسيلتنا للتواصل هى والانترنت فكنا يدا واحدة مهما اختلفنا كنا كأصابع اليد الواحدة مهما اختلفت أطوالهم ولكنهم يدا واحدة وقضينا الليل فى النقاش وإعداد الخطط والتواصل مع اللجان الشعبية من خارج الميدان الذين يمدونا بالمساعدات وفى صد بعض محاولات اختراق الميدان من جهة بعض أفراد الأمن ولكن ما لفت انتباهى فى ذلك الحين شيئا عجيبا لم ألحظه بالنهار وسط غمار القتال بين الجانبين وهو أن هناك بعض الشباب الذين كان يقال عليهم إنهم شباب ليس لهم قيمة وأنهم عال على هذا المجتمع معنا فى الميدان يقاتلون معنا رجالا أشداء ويقفون للحماية فهؤلاء هم شباب مصر مهما تدهور بهم الحال أو قلت ثقافتهم أو انجرفوا إلى طرق أخرى فهم يعودون عندما تحتاج مصر إليهم ليقفوا وراءها مساندين وأمامها فى الخط الأول مدافعين وبعد أن ذهب الليل وفى الصباح الباكر بدأ الهجوم علينا من كل جهة فقمنا بتقسيم أنفسنا إلى عدة جبهات وصد الهجوم من كل الجهات ولكن هذه المرة بدأوا فى الضرب بالرصاص الحى فكان يتساقط منا الكثير وسقط أحدهم بجانبى وكان وهو يسقط أمسك بيدى وأمسكت بيده وجاء الآخرين معى لمساعدته وسحبناه إلى جانب جدار مهدم للحماية ومعالجته وقد شققنا قميصه لسد مكان الرصاصة ولكننا وجدنا الرصاصة قد جاءت بجانب القلب وهرول طبيب إلينا للمساعدة وفعلنا المستحيل لانقاذه من الموت ولكنه لم يكن على لسانه غير كلمة الله اكبر تيحا مصر وقال الطبيب ليس هناك أمل فى النجاة فنظر الشاب إلى عينى وقال لا تدع دمى يضيع هدرا ونطق الشهادة ثم فاضت روحه إلى بارئها فاشتعلت أجسادنا غضبا وخرجنا من غير وعى للهجوم على هؤلاء القتلة بكل ما نملك من حجارة أو زجاجات الملوتوف الحارقة فأصبنا منهم الكثير وهم اسقطوا منا أيضا بأسلحتهم الآلية ونظرت إلى الأعلى فوجدت بعض القناصة يستعلون بعض العمارات المجاورة وبدأوا فى الضرب بوحشية وعنف علينا وكان يسقط الواحد تلو الأخر والدماء ملأت المكان وإذا بالدعم يصلنا حيث جاءت مجموعات كبيرة من خارج الميدان لمساعتنا وانضمت إلينا فى القتال وصار القتال يسير فى منحى آخر صار يسير لصالحنا فرفعنا أذرعنا لنلقى بقنابلنا الحريقة ونهتف الله اكبر تحيا مصر وبعد أن ألقيت القنبلة لم اشعر إلا بشئ يخترق صدرى ويلقينى إلى الخلف فنظرت إلى الأعلى فوجدته القناص أصابنى فى قلبى الذى عشق تراب هذا الوطن وكأنها جريمة وجبت معاقبتى عليها  ونطقت الشهادة وأنا أرى علم مصر يرفرف فى عينى وأنا أرى إخوانى وهم يأتون إلى لحملى بعيدا وكان آخر كلامى تغيير ...حرية ...عدالة اجتماعية ...
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمد رسول الله
وكما قال الشاعر فاروق جويدة ثمن الرصاصة يشترى خبزا لنا

0 التعليقات

إرسال تعليق

إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية