كنت كلما قرأت الآيات التى تحكى قصة فرعون مع موسى أظن أن هذه القصة هى فريدة من نوعها ولن تتكرر ، لكنى اليوم فقط أدركت أن الله تعالى ذكر لنا هذه القصة ليعطينا درسًا فى أى فرعون يأتى بعده سواء فى مصر أو فى أية دولة أخرى.
    فبالمقارنة السريعة بين فراعنة اليوم والأمس نجد أن فرعون الأمس كان يقتل بنى إسرائيل وليس بنى وطنه من المصريين..فرعون الأمس كان ديمقراطيا يستمع للرأى الآخر المعارض له بدليل أنه عقد مناظرة علنية تم الاتفاق على موعد محدد ليشهدها المؤيدين والمعارضين فكان يوم الزينة وسمح لموسى عليه السلام بأن يعبر عن رأيه ويعرض ما عنده أمام الرأى العام ثم الناس تحكم بعدها ، أما فرعون اليوم فقد كمم الأفواه واحتكر الإعلام  ومنع أصوات المعارضين وسمح فقط لأصوات المسبحين بحمده ليل نهار أن يظهروا على الشاشة وتم تخوين أى معارض..فرعون الأمس كان يقتل الصبيان ويترك البنات أما فرعون اليوم فلا يرحم لا بنت ولاولد ولا شاب ولا عجوز..أسمع قائلا يقول:نعم لكن فرعون الأمس كان كافرا لكن فرعون اليوم مسلمًا ..الإجابة بمنتهى البساطة أن القضية الأساسية فى القصة ليست قضية الكفر والإيمان بل قضية الظلم الذى وقع بفئة من الناس ، فعندما ذهب موسى عليه السلام  لمقابلة فرعون لم يطلب منه أن يؤمن بل طلب منه أن يرسل معه بنى إسرائيل ليخرجوا من مصر.. نعم ذكر الله تعالى مسألة كفر فرعون لكنها كانت قضية فرعية فى معرض الكلام..أى أن فرعون لو كان قد وافق على طلب موسى فى أن يسمح له هو وبنى إسرائيل  بالخروج من مصر لم يكن الله ليغرق فرعون ولكان استمر فى الحكم ، ولو فرضنا أن فرعون كان مؤمنا ومنع موسى وبنى إسرائيل من الخروج من مصر كان سيغرقه الله أيضا..أى أن فرعون غرق بظلمه ولم يغرق بكفره ..إذن هى رسالة يريد الله توصيلها للعالم وهى أن دولة الظلم لا بد أن يزيلها الله حتى لو مؤمنة ودولة العدل يبقيها الله حتى لو كافرة.

     فرعون موسى كان صريحا فقد أعلن كفره أما فرعون اليوم فقد أخفى كفره وتظاهر بالإيمان ليخدع شعبه ، لذلك فقد توعد الله المنافقين بالدرك الأسفل من النار يعنى المنافق أشد شرا وسوءًا من الكافر المجاهر بكفره.

       فرعون موسى كان يحب وطنه ويحارب من أجله أما فرعون اليوم فهو يعمل لصالح أعداء وطنه.

    فرعون الأمس استخف قومه فأطاعوه وفرعون اليوم استخف قومه فأطاعوه أيضا ولكن الفرق أن عبيد فرعون هذا العصر تجدهم يقرأون القرآن فيتعجبون من ظلم فرعون ومن تصديق الناس له ثم فى نفس الوقت تجدهم يهتفون باسم فرعونهم وكأنهم لم يتعلموا شيئا من القصة أو كأنهم يقرأونها للتسلية فقط وليس لاستخلاص الدروس والعِبَر.

     هذه هى أهم الدروس المستخلصة من قصة الفراعنة فى كل زمان ومكان وقد وعدنا الله تعالى بسقوط الفراعين ولو بعد حين.

نرمين كحيلة

...تابع القراءة




    عندما كنت طالبة بالماجستير قال لى أستاذى:ليس من المعقول أن يخرج فرعون وجنوده لمطاردة موسى فسألته:ولمَ لا؟ قال:فرعون كان ملكا عظيما صاحب امبرطورية عظيمة وكان أعظم ملوك الشرق قاطبة يدين له الجميع بالولاء فكيف لواحد مثله أن يجرى ليتعقب ويطارد رجل بسيط مثل موسى وجماعته وهم قلة ضعفاء ، لا بد أنه أرسل أحد أتباعه لتعقبهم ولم يذهب بنفسه..فقلت له:صدق الله العظيم حين أخبرنا أن الفرعون خرج بنفسه لتعقب  موسى وبنى إسرائيل.قال تعالى: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين"(يونس:90).

     ففرعون كان يخشى على ملكه أن يزول على يد موسى كما رأى فى الرؤيا وهذا ما جعله يخرج بنفسه لا أن ينتدب أحد أتباعه لهذه المهمة . خرج ومعه جيشه ووزيره هامان لكى ينقذ عرشه من الضياع.. هذا هو ديدن كل متجبر فلا عجب إذن من أن تجيش الدولة  كل جيوشها ومؤسساتها لكى تقضى على عبارة "صلى على النبى" فهى تمثل بالنسبة لها تهديدا بل الإسلام كله يمثل تهديدا لأمريكا وأوروبا وإسرائيل. ليس الإسلام نفسه كديانة من صلاة وصوم ولكن الاسلام كطريقة للحياة والمعاملة  ؛ الاسلام الذى يجعل الناس تضحى بالغالى والنفيس من أجله ، تضحى بحياتها وأموالها وأولادها طلبا للشهادة ، الإسلام الذى يعلى قيمة الوطن والدفاع عنه والموت فى سبيله .. هم لا يريدون هذا الإسلام الذى يعوق أطماعهم فى بلادنا ، كان لا بد أولا انتزاع الإسلام من قلوبنا حتى نتخلى عن فكرة الجهاد للدفاع عن النفس والمال والعرض والوطن .
     وكما قال دكتورمصطفى محمود-رحمه الله- فى كتابه:"الإسلام فى خندق":"أعداؤنا يخافون من بعث هذه الروح وصحوة هذه العاصفة النائمة وهم لا يخافون من صحوة البراقع والجلاليب واللحي ولا يعبأون لبعث الشكليات والمظاهر...... بل إنَّ بيوت الأزياء في باريس تتنافس في هذا المضمار فتبتكر الماكسي والطويل والمجرجر والقفطان لتبيع للعرب . وهم لا يخافون من ثرواتنا البترولية ما دامت تتحول إلى قصور وترف ونعومة ، فهم يلتقون بهذه الثروات في مصايف الريفيرا ونيس ومونتي كارلو وهم يحصدون هذه الثروات على موائد القمار في لاس فيجاس.
ولكنهم يخافون من رجال كالزوابع يحاربون في أعتى الظروف وأقساها
وهم يخافون ذلك الكتاب الذي يتحدث بصوت الفطرة فيصل إلى قلوب الناس ، ذلك القرآن العجيب الذي يحادثهم بالعقل والمنطق والبرهان ويكلمهم بلغة العلم وأسلوب العصر ويأتي بالجديد في كل قضية وفي كل زمان . ذلك الكتاب الذي ينتشر بقوة ذاتية فيه ، ويكسب الاتباع في صمتٍ ودونما جهدٍ من دعاة أو متخصصين .

      ورغم هزيمة المسلمين في كل مكان ، ورغم تراجع صوتهم وخفوتِ نفيرهم ، فان الإسلام يكسب اتباعاً جدداً كل يوم ، وفي كل مكان . هذه الظاهرة تحيرهم ، فهل يعود التاريخ الذي يمشي في دوائر إلى تكرار نفسه ؟!
وهل يرتفع صوت الاسلام من جديد رغم اصفرار شجرته وتساقط اوراقه ؟!
هذا الهاجس يخيفهم ويريبهم.
والإسلام في ذاته لا يهمهم.... ولكن الإسلام سوف يأتي ومعه الدنيا والسيادة والدنيا همهم والسيادة دينهم وديدنهم ولن يتنازلوا عنها باختيارهم.
وحول هذا يدور الصراع..... فهو صراع حول الارض والسيادة"

   وكما قال الشيخ الشعراوى - رحمه الله-: خصوم الإسلام وبعض أهله الذين يخافون من أنْ يقضي على سلطتهم وطُغْيانهم وجبروتهم يريدون حَصْر الإسلام في أركانه الخمسة ٬ فإنْ قُلْت بهذه المقولة لا يتعرضون لك ٬ وأنت حر في إطار أركان الإسلام هذه ٬ لكن إياك أن تقول: إن الإسلام جاء ليُنظِّم حركة الحياة ؛ لأن حظهم في حَصْر الإسلام في أركانه فقط ٬ وما فَهم هؤلاء أن الأركان ليست هي كل الإسلام ٬ إنما هي أسُسه وقواعده التي يقوم عليها بناؤه ٬ لكنهم يريدون أنْ يعزلوا الإسلام عن حركة الحياة ٬ فنقول لهم : نعم ٬ هذه أركان الإسلام ٬ أمَّا الإسلام فيشمل كل شيء في حياتنا ٬بداية من قمة العقيدة في قولنا : لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى إماطة الأذى عن الطريق؛ لأن الإسلام دين يستوعب كل أقضية الحياة ٬ كيف لا وهو يُعلِّمنا أبسط الأشياء في حياتنا؟"

      لذلك فهم يروجون للعلمانية  بكل ما أتوا من قوة وهذا هوما فعلوه حين أرسل ثيودور هرتزل اليهودى رسالة إلى السلطان عبد الحميد الثاني يعرض عليه قرضاً من اليهود يبلغ عشرين مليون جنيه إسترليني، مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يقيمون عليها حكماً ذاتياً.   فكان رد السلطان: "انصحوا الدكتور هرتزل بألاّ يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع؛ إني لا أستطيع أن أتخلَّى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست مِلْك يميني، بل مِلْك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها، وروتها بدمائها، فليحتفظ اليهود بملاينيهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يومًا فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حيٌّ فإنّ عمل المِبْضَع في بدني لأهون علىّ من أن أرى فلسطين قد بُتِرت من الدولة الإسلامية، وهذا أمر لا يكون؛ إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة".

     كان السلطان العثمانى يتكلم من واقع حسه الدينى الذى ينهاه عن التفريط فى شبر واحد من أراضى المسلمين . حينها فقط علم اليهود أنه لكى يتسنى لهم احتلال فلسطين يجب القضاء على الخلافة العثمانية التى توحد المسلمين وتقوى شوكتهم فبدؤوا أولا بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد ولما فشلت المحاولة  رَكِبَ اليهود جمعية الاتحاد والترقي العلمانية ذات العلاقات الماسونية اليهودية، واستطاعت هذه الجمعية في النهاية خلع السطان عبد الحميد، والإمساك بزمام الأمور وانتهى الأمربأن أسقطوا الخلافة العثمانية  سنة 1924 على يد رجلهم اليهودى أتاتورك.

     هذه هى أهدافهم التى يصلون إليهاويخططون لها فى كل زمان ومكان فهذا الذى حدث مع السلطان عبد الحميد يحدث مع أى رئيس  لا يكون أداة طيعة فى يدهم .
نفس السيناريو  يتكرر باختلاف الأشخاص بنفس الخطوات فكما خلعوا السلطان عبد الحميد الثانى عزلوا الرئيس مرسى وكما علمنوا تركيا المعروفة بحبها للإسلام يريدون أن يعلمنوا مصر وكما أتوا بأتاتورك أتوا برجلهم المطيع فى مصر.
           استيقظوا إيها المسلمون قبل فوات الأوان.

...تابع القراءة