بقلم : إبراهيم البحار
كتبت كثيراً عن أهمية التوافق ومدى أهمية وضع الخلافات جانباً ودعوت كثيراً إلى تقبل الأخر والحد من حالة الاستقطاب الشديدة التي نمر بها في تلك الفترة التي أعتبرها من أعظم و أقوى الفترات في التاريخ المصري والعربي والإسلامي الحديث ولكن وجدت أن تلك الحالة تشتد وترتفع حرارتها وتزداد بين الحين والأخر فتجدها مالبثت أن تهدأ إلا وبلغت أشدها مرة أخرى ولذلك فكرت هذه المرة أن تكون رسالتي ودعوتي للاختلاف وليست دعوة للتوافق ولا لتنحية الخلافات .
إن عصرنا الحاضر عصر
انفتاح، تكسَّرت فيه الحدود وتحطَّمت الحواجز، إنه عصر الفضاء والإنترنت، وأسلوب المنع والحظر والتشويش لم يَعُدْ يُجدي، والحل الوحيد هو النزول إلى الميدان، ومقابلة الحجة بالحجة. ومجالس الناس أصبحت عامرة بالمتناقضات من الآراء والتوجهات، مما يعتقدون وما لا يعتقدون، وما يدركون وما لا يدركون، ولم يَعُد مُجديًا تسفيه الآخرين مهما تكن ضحالة أفكارهم، أو تفاهة حججهم، بل لابد من الاستماع إليهم، واستيعابهم بالإقناع، فالتناسب بين الداء والدواء ضروريٌّ؛ حتى يتقبل الجسم العلاج وينتفع به.
ولقد كشفت منتديات الحوار في الإنترنت الخلل الكبير في آلية الحوار، وفي تجاهل الكثيرين لدائرة المتفق عليه وهي دائرة واسعة جـدًّا، سواءً فيما يتعلق بالدين وفهمه، أو فيما يتعلق بالمصلحة وإدراكها وتحقيقها، وتجاهل المتفق عليه وإغفاله في مقابل تكريس الخلاف في أمور يترتب عليها آثار سلبية كبيرة، منها ما نشاهده في بعض الحوار الإلكتروني والإعلامي من انتهاكات عالية الخطورة لنظام الأخلاق ومن ذلك:
1) إن لم تكن معي فأنت ضدِّي:
فهناك المفاصلة، بل والمقاصلة، فبمجرد أن أكتشف أن بيني وبينك نوعًا من الاختلاف أو التفاوت -حتى ولو كان في مسائل جزئية أو صغيرة- فإننا نتحول إلى أعداء ألدَّاء، بدلًا من أن نكون أصدقاء أوفياء، وقد كان عيسى عليه السلام يقول: «مَن لم يكن ضدِّي فهو معي». فهذا هو فقه الشريعة، وبل وفقه الحياة، والعلاقات الإنسانية!
2) الخلط بين الموضوع والشخص:
فيتحوَّل نقاش موضوع أو فكرة أو مسألة إلى هجوم على الأشخاص، وتجريح واتهام، وطعن في النيات، واستعراض لتاريخ هذا الإنسان أو ذاك، ومن ثمَّ تتحول كثير من الساحات إلى أماكن للفضائح والاتهامات، والطعون غير المحقَّقة، ويغدو الاصطفاف حزبيًّا أو شخصانيًّا، تؤثِّر فيه المواقف العاطفية ضد شخص أو آخر، وليس للعقل والحجة والمصلحة فيه حضور أو إعمال.
3) تدنِّي لغة الحوار:
إذ يتحول الحوار إلى نوع من السب والشتم، بدلًا من المجادلة بالتي هي أحسن، وكما قال أحدالأئمة لو كانت الغلبة في المجادلة بالصياح، لكان الجهلاء أولى بالغلبة فيها من غيرهم، وإنما يكون النُّجْحُ بالحجة والهدوء. وفي المثل: «العربة الفارغة أكثر جَلَبَةً وضَجِيجًا من العربة الملأى».
4) القعقعة اللفظية:
والتي نحقِّق بها أوهام الانتصارات الكاسحة على أعدائنا، ونحرِّك بها مسيرة التنمية والإصلاح لمجتمعاتنا زعمًا وظنًّا، وقد تسمع مَن يقول لك: كتب فلان مقالًا قويًّا. فتنتظر من هذا المقال أن يكون مقالًا مؤصَّلًا عميقًا، قد أبدع فيه وحرَّر وحقَّق، أو أحاط الموضوع من جوانبه، أو حل مشكلة عويصة، أو طرح نظرية جديدة، فإذا بك تجده مقالًا مشحونًا بالعبارات الرنَّانة، التي فيها الإطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون معه.
وهكذا تبدو القوة في كتاباتنا أو خُطبنا أو برامجنا الإعلامية، هي في الصُّراخ والإقصاء، وتجميع الألفاظ الحاسمة والقاسية وتنزيلها على المخالفين، أو الجرأة على الادعاءات العريضة، حتى لو كنا لا نملك البرهان عليها!
إن الاختلاف سنة ربانية لا مخلص منها، فالناس يختلفون في ألوانهم، وأشكالهم وقبائلهم، وميولهم وعقولهم، وفي كل شيء .
وقد قال الله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) [الروم:22]. وقال سبحانه: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [الذاريات:49]. وقال: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا) [الحجرات:13].
فلم يقل سبحانه: لتعاركوا، أو لتحاربوا، وإنما قال: (لتعارفوا). والتعارف ليس هو المعرفة فحسب، إنما التعارف هو التعامل بالمعروف، وما المعروف إلا البر والإقساط، والإحسان والصلة.
إن قيام الكون وبقاء الحياة لا يكون بتحقيق رغبة فئة خاصة من الناس بعينها، وإلا لكانت هذه الفئة تطمع في إبادة الآخرين ومحوهم من الوجود، وكانت كل أمة تريد نقيض ما تريده الأمة الأخرى.
إن المرء اليوم على حالٍ وغدًا على حالٍ أخرى، كما قال ربنا تبارك وتعالى: (لتركبن طبقًا عن طبق) [الانشقاق:19]. أي: حالًا بعد حال، وربما سعى اليوم في اتجاه وغدًا في غيره: (إن سعيكم لشتى) [الليل:4].
ومن بديع الحكمة الربانية أن الله تبارك وتعالى منح الناس حق الاختيار، وحمَّلهم مسؤولية اختيارهم في أحكام الدنيا والآخرة، ولو شاء لجعل البشر ملائكة مطيعين: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم:6]. ولكنه أراد أن يخلق خلقًا فيبتليهم، كما قال سبحانه: (ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) [محمد:4].
كما شرع الله الإحسان في الدعوة، وتأليف القلوب على الخير، وتحبيب الناس إلى الهُدى، حتى جعل الله في الزكاة سهمًا للمؤلَّفة قلوبهم، ومنهم غير المسلم الذي يُرجى إسلامه، أو يُرجى دفع شره، أو يُرجى إسلام نظيره، أو المسلم الذي يُرجى بها قوة إيمانه.
من أخلاقيات الخلاف:
1- عدم التثريب بين المختلفين؛ فلستَ متأكدًا أنك أصدق إيمانًا، ولا أوسعَ علمًا، ولا أتم تجردًا، ولا أرجحَ عقلًا ممن تختلف معه.
قال يحيى بن سعيد: «ما برح المستفتون يُستفتون، فيحلُّ هذا ويحرِّمُ هذا، فلا يرى المُحَرِّمُ أن المحلِّل هلك لتحليله، ولا يرى المحلِّل أن المُحَرِّمَ هلك لتحريمه».
إن أفهام الرجال ليست وحيًا، والمدارس الفقهية أو الحركية ليست هي الإسلام، وإن كانت تنتسب إليه وترجع إليه.
وقد جاء في الحديث عن بُريدة بن الحُصيب رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومَن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: «وإذا حاصرتَ أهلَ حصن، فأرادوك أن تجعلَ لهم ذِمَّةَ الله وذِمَّةَ رسوله، فلا تجعل لهم ذِمَّة الله ولا ذِمَّة نبيه، ولكن اجعل لهم ذِمَّتك وذِمَّة أصحابك؛ فإنكم أن تُخْفِروا ذِمَـمَـكُم وذِمَمَ أصحابكم أهونُ من أن تُخْفِروا ذِمَّة الله وذمَّة رسوله، وإذا حاصرتَ أَهلَ حِصْنٍ، فأرادوك أن تُنْزِلهم على حُكم الله، فلا تُنْزِلهم على حُكم الله، ولكن أنزلهم على حُكمك؛ فإنك لا تدري أتصيبَ حُكمَ الله فيهم أم لا».
والنبي صلى الله عليه وسلم هنا يوصي رجلًا من أصحابه اختاره لقيادة الجيش، وهو صلى الله عليه وسلم حاضر بين أظهُرهم، ويقول له: لا تُنِـزل الناسَ على حكم الله وحكم رسوله؛ لأنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله وحكم رسوله أم لا.
يقول ابن القيم: «لا يجوز أن يقول لما أدَّاه إليه اجتهاده، ولم يظفر فيه بنص عن الله ورسوله: إن الله حرم كذا، وأوجب كذا، وأباح كذا، وإن هذا هو حكم الله».
ويقول ابن تيمية: «ولكن كثيرًا من الناس ينسبون ما يقولونه إلى الشرع، وليس من الشرع، بل يقولون ذلك إما جهلًا، وإما غلطًا،وإمَّا عمدًا وافتراءً».ويقول الإمام الشافعي : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب
وقد عرض أبو جعفر المنصور على إمام دار الهجرة مالك بن أنس أن يعمِّم كتاب «الموطأ» على الأمصار، وأن يُلزم الناس بالأخذ به، والعمل بمحتواه؛ فنهاه عن ذلك وقال: «يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم، وإن ردَّهم عما قد اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار كل أهل بلد منهم لأنفسهم».
وهذا من فقه الإمام وتقواه؛ فإن كثيرًا من المختلفين لو استطاع أحدهم أن يستميل إليه السلطان ليتقوَّى به على خصومه لفعل، وقد وقع هذا كثيرًا في حوادث تاريخية مدوَّنة، ومواقف واقعية مشهودة!
2- الإنصاف؛ كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: «ثلاث مَن جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالَم، والإنفاق من الإقتار».
والإنصاف خُلُق عزيز يقتضي أن تُنزِّل الآخرين منزلة نفسك في الموقِف، والإنصاف ضرورة، وله معايير وتطبيقات عملية، منها:
أ- أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين:
فمَن ثبت له أصل الإسلام، فلا يخرج من الإسلام ولا يُحكم بكفره إِلَّا بيقين، ومَن ثبتت له السُّنَّة، فلا يخرج منها إِلَّا بيقين، وهكذا العدالة والبراءة والصلاح وغيرها، وهكذا مَن ثبت له حق من الحقوق، فلا ينزع منه إِلَّا بيقين.
ب- أن الخطأ في الحكم بالإيمان أهون من الخطأ في الحكم بالكفر:
فلو أنك حكمت لشخص بالإسلام بناءً على ظاهر الحال، حتى ولو كان من المنافقين؛ فإن هذا خير من التسرع والحكم عليه بالكفر وهو ليس كذلك؛ فتقع في الوعيد الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَن دعا رجلًا بالكفر، أو قال: عدوَّ الله. وليسَ كذلكَ إِلَّا حَارَ عليه». أي: رجع عليه.
ج- أنه لا تأثيم ولا هجران في مسائل الاجتهاد:
وقد ذكر ابن تيمية أن هذا مذهب أهل السنة؛ فإنهم لا يرون تأثيمًا لمَن اجتهد في المسائل كلها، من غير تفريق بين الأصول والفروع، فمَن استفرغ وُسعَه في معرفة مراد الله عز وجل وكان أهلًا لذلك؛ فإنه لا يأثم بهذا الاجتهاد، بل هو بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، ولا تهاجر بين المؤمنين.
د- التحفظ عن تكفير فرد بعينه أو لعنه:
كان الإمام أحمد يُكفِّر مقالة الجهمية، ومع ذلك لم يكفِّر أحدًا منهم بعينه، لا المأمون ولا سواه، بل كان يدعو له، ويستغفر له، ويجعله في حِلٍّ مما صنع به.
ولقد اتفق أهل السنة على أنه لا يجوز تكفير أحدٍ بمجرد الخطأ.
يقول ابن رجب: «أكثر الأئمة غلطوا في مسائل يسيرة مما لا تقدح في إمامتهم وعلمهم، فكان ماذا؟ فلقد انغمر ذلك في محاسنهم وكثرة صوابهم، وحُسن مقاصدهم، ونصرهم للدين.
والانتصاب للتنقيب عن زلَّاتهم ليس محمودًا ولا مشكورًا، لاسيَّما في فضول المسائل التي لا يضر فيها الخطأ، ولا ينفع فيها كشف خطئهم وبيانه..».
وهذه كلمة نورانية تدل على أنه ليس من السداد جمع عثرات فلان وفلان، وتصنيفها في كتاب أو موقع إلكتروني، حتى لو كان ذلك صحيحًا، لما فيه من تتبع العثرات والغفلة عن الصوابات، وتربية النفس على النظر في المعايب، وهو انحياز للأنانية والهوى والبغي.
والعجيب أن من الناس مَن يتورَّع عن أكل الحرام، أو شرب الخمر، أو مشاهدة الصور الخليعة، ولكن يصعب عليه كف لسانه عن الاستطالة في الأعراض؛ فتجده يَخوض في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول.
وسأل أحمدُ بن حنبل بعضَ الطلبة: من أين أقبلتم؟ قالوا: من مجلس أبي كُريب -وكان أبو كُريب ينال من الإمام أحمد وينتقده في مسائل- فقال: اكتبوا عنه؛ فإنه شيخ صالح. فقالوا له: إنه يطعن عليك؟! قال: فأي شيء حيلتي؟! شيخ صالح قد بُليَ بي.
3- استعمال الصبر والرفق ومقابلة السيئة بالحسنة.
كما أمر الله تبارك وتعالى حيث قال جل وعلا: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت:34].
وبهذا استمال النبيُّ صلى الله عليه وسلم قلوبَ أعدائه، وعالج قسوتها وشِماسَها ونِفارَها، حتى لانت وانقادت وقبلت الحق.
إن الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة الصافية، والإحسان إلى الآخرين بالقول والفعل من أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب، قال تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) [فصلت:35].
ومن أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب: ألا تكثر العتاب والمحاسبة، وتجعل مناط التواصل مع الآخرين هو الاختلاف والنقد، فكلما رآك أخوك أو وجد منك رسالة أو اتصالًا هاتفيًّا عرف أنك اتصلتَ لتعاتب أو تنتقد أو تعيب، ولو أن والدًا كان كثير اللوم والاستدراك على أولاده؛ لأفسد شخصياتهم، ودمَّر ثقتهم، وحملهم على الاعتزال والخمول.
وإن مما يؤلِّف القلوب ويزيل العداوة عدم الانتقام والتشفي والانتصار للنفس.
4- عدم التعصب:
سواء كان التعصب للمذهب أو الطريقة أو الشيخ، أو الجماعة أو الطائفة أو الحزب؛ ولهذا قيل: «حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ».
إن المتعصِّب أعمى لا يعرف أعلى الوادي من أسفله، ولا يستطيع أن يميِّز الحق من الباطل، وقد يتحوَّل المتعصِّب بالحرارة نفسها والقوة نفسها من محب إلى مبغض.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أَحْبِبْ حبيبَك هَوْنًا ما؛ عسى أن يكون بَغِيْضَكَ يومًا ما، وأَبْغِضْ بَغِيْضَكَ هَوْنًا ما؛ عسى أن يكون حَبِيْبَكَ يومًا ما».
لعلنا جميعًا نتحدَّث بهدوء عن أخلاقيات الاختلاف، ونحاول أن نضع نظريات جميلة من الناحية اللفظية، لكنَّ القليل منا هم أولئك الذين يستطيعون أن يطبِّقوا هذه النظريات ويحوِّلوها إلى واقع في سلوكهم العملي، وفي علاقاتهم مع الآخرين.
وكأننا نلتمس من الآخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا، لكننا لا نلتمس من أنفسنا الالتزام بهذه الأخلاقيات حينما نختلف معهم!
إننا بحاجة إلى تدريس أدب الخلاف في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا، وتدريب الشباب والفتيات على ممارسته عمليًّا؛ ليتحوَّل إلى عادة وعبادة في الوقت ذاته.
أما كونه عبادة؛ فلأنه طاعة لله ورسوله، واتباع لسنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وأما أن يتحول إلى عادة؛ فذلك حين يتربَّى المرءُ عليه، ويصبح سَجِيَّةً وطبعًا لا يتكلَّفه.
إن أدب الحوار مهم، يحتاج إليه الحاكم ليحفظ حقوق رعيته حتى ممن يختلفون معه .
و يحتاج إليه المعلم ؛ ليحفظ حقوق الطلاب، ويعدل بينهم ويُحسن الظن بأسئلتهم وإشكالاتهم واعتراضاتهم، ويفتح لهم صدره، ويربِّيهم على المسؤولية المستقلَّة وعدم الذوبان في شخصية أخرى حتى لو كانت شخصية المعلم
ويحتاج إليه الأب؛ تحبُّبًا إلى أولاده، وعذرًا لهم فيما خالفوه فيه، وإدراكًا أنهم صغارُ قوم، كبارُ قومٍ آخرين، فليس المطلوب أن يكون الولد أو البنت صورة طبق الأصل عن الأبوين، بل للولد بصمته الخاصة في فكره وعقله
الخــــلاصة :
جعل اللهُ تعالى الاختلاف جزءًا من طبيعة الحياة وأهلها، حتى فيما بين الوالد و ولده
قال تعالى: (وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) [الروم:22]، واختلاف الألوان ظاهر، وهو آية وحكمة وابتلاء، أما اختلاف الألسنة فيحتمل اختلاف اللغات، ويحتمل اختلاف الأصوات في حسنها وجودة أدائها، ويحتمل اختلاف اللسان بين مؤدَّب ينتقي أجمل الألفاظ وآخر لا يكف عن السب والشتم والتقبيح.
ومع أن الاختلاف سنة ربانية، إلا أن الناس يضيقون به ذرعًا، ويتساءلون: إلى متى يظل هذا الاختلاف قائمًا؟ ومتى نتفق؟
والجواب: إن الخلاف باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، فلا تحلم بأن الناس سوف يتفقون على كل شيء، وبقاء الخلاف ينطوي على مقصد رباني بالغ الحكمة، وكم تكون الأشياء مملة وعديمة الفائدة حين تتماثل. فهو من حيث القدر واقع، ووقوعه متصل بطبيعة خلق الناس على صفة التنوُّع في الأشكال والألوان والألسنة والمدارك، وقابلية النفس الإنسانية لأكثر من اختيار
وإذا كنا سنتحدث عن كيفية الاختلاف، فإننا بحاجة إلى وضع آليات لإدارة الخلاف الذي يقع بيننا. أتمنى أن أكون قد قمت بتوصيل دعوتي هذه قدر المستطاع فهى دعوة للاختلاف ولكن أي اختلاف اختلاف الأعداء أم اختلاف الأحباء الإخوة شركاء الوطن والدم والإنسانية لنختلف فيما بيننا ولكن يجب ألا ننسى أن ما يجمعنا أكبر من أي خلاف
استقيموا يرحمكم الله
0 التعليقات
إرسال تعليق
إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية