يجلس "آدم" أمام حاسبه الآلي .. ينهي عليه بعض أعماله التي يفضل  النوم مرتاحا من همها
يتململ قليلا ً ..
لقد مضى على جلسته تلك مايزيد على الأربع ساعات تناول خلالها عشاءه و هو جالس يعمل في ذات الوقت
يفتح حسابه على الـ فيسبوك
يضبط نفسه متلبسا ً بفرحة طفولية
نفس الفرحة التي كان يشعر بها من عدة سنوات عندما كان يفتح نفس الحساب و هو مترقـِّبا لما ينتظره من أشياء عديدة في هذا العالم الإفتراضي من إشعارات ، صور مشار له فيها ، رسائل خاصة ، فيديوهات و أخبار و مقالات ينشرها الأصدقاء، و غيرها الكثير من الأشياء

.. إنـّه يذكر تلك الأيام و كأن ّ عشرات السنين مرّت عليها
.. يُدخِل كلمة المرور السرية قبل أن يضغط زرّ التسجيل
.. إنّها نفس كلمة المرور التي بدأ بها الحساب منذ ما يزيد على عشر سنوات، لم يغيّرها ... إنّها تتضمن اسم أول شركة محترمة التحق بفريق عملها ... لن ينسى تلك الشركة التي تعلّم فيها كيف يحيا خارج البيت .. لقد تعلّم فيها كيف يكون رجلا ً مصريا ً (حِرِك) .. ينال رضا رؤسائه و مرءوسيه دون بذل جهد كبير ..
.. و لكنّه مقابل تعلّمه ذلك، تحمّل عدّة صفعات ظنّ بعدها أنّه مات و لن تقوم له قـَومـَة .. و لكنـّه الآن أفضل حالا و بالا ًو مكانا ً
.. و مع ذلك لم يغـيِّـر كلمة مروره

.. تظهر امامه الصفحة الرئيسية "هوم بيدج"، و يلتفت لفيديو قديم نشره أحد أصدقائه على سبيل استرجاع الذكريات، و على سبيل الفكاهة أيضا
إنّه المقطع الخالد .. الذي يُـعلِـن فيه عـُمر سليمان تخلـّـي مبارك عن رئاسة البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
.. بعينين ساخرتين يضحك بصوتٍ عال .. مما استرعى انتباه الطفلين المستغرقـَين في اللعب فـي الصالة، ثم يستعيد وقاره و يبتسم ابتسامة واسعة عريضة ساخرة و يهزّ رأسه يمينا ً و شمالا ً و في عينيه نظرة ذات معنى


.. تدخل "ريم" عليه الحجرة و على وجهها أمارات استفسار و فرحة معا ً (ما الذي يضحكه؟)، و يدفعها فضول المرأة أن ترمق الشاشة لتعرف ماذا أضحك زوجها بهذه الطريقة
..يلتفت لها و يطيل النظر إليها .. و هي تضحك بدورها بعد ما رأت ما أضحك زوجها .. تضحك بصوت ٍ عال مما استرعى -للمرة الثانية- انتباه الأطفال، الذين جاءوا هذه المرة مسرعين ليعرفوا ما الأمر

.. (مازال ينظر إليها)، و يدخل الطفلان و يلتصقان بأمهما كـ هِرّين،و يسألون في فوضى: بتضحكوا على ايه ؟؟؟

.. لا تعرف ماسرّ نظراته إليها تلك
.. يهبّ واقفا ً فجأة ليغادر الحجرة متجها ً إلى حجرة الأطفال و يدخل و يغلق الباب ورائه
.. تزيد دهشتها
.. تزيح طفليها و تذهب بدورها إلى الحجرة و تفشل في فتحها، فتـُلصِـق أذنها بالباب و هي قلقة .. حاجباها مرفوعان من القلق .. تنصت لصوت منخفض منبعث من الغرفة
.. ينزل حاجباها، و يَـبَـشّ و جهها تدريجيا و تبتسم و تعود لطفليها لتحتضنهما في فرحة

.. إنـّها صارت تفهمه جيدا ً الآن .. بعكس ما كانت تعاني في العام الأول من زواجهما من عدم فهم لشخصيته الغريبة
.. إنها علمت ماذا يفعل الآن في حجرة الأطفال

.. إنـّه ساجد الآن يبكي شكرا ً لله، متمتما بحمده على ما أنعم عليه به من بيت ٍ كريم، و زوجةٍ صالحة يحبّها، و أبناء أذكياء يعشقهم.

المكان/ أي مدينة مصرية .. عدا القاهرة 
الزمان/ منتصف ليلة صيفية سنة 2020

                                                   بقلم/ أحمـد ماهـر


3 التعليقات

غير معرف يقول... @ 4 ديسمبر 2011 في 10:32 م

جميلة أوى بجد :)

آيات يقول... @ 9 ديسمبر 2011 في 2:31 ص

رائعه فعلا .. احلي ريئكشنات بصراحه :D :D

ربنا يكرمنا بهذا الحب النقي العفيف يارب العالمين و الزوج الصالح ولك المثل :)

دايما ف تقدم يارب :) :)

ياسمين السباعي يقول... @ 29 سبتمبر 2013 في 1:12 م

جميلة استاذ احمد تسلم ايديك وأجمل حاجة فيها سجدة الشكر

الله يباركلك ويزيدك يارب

إرسال تعليق

إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية