"ملعون
أبوك يا طموح"
قول مشهور .. يقوله الناس عندما تضيق بهم السبل دون الوصول إلى أهدافهم،
فيلعنون الطموح الذي يحرمهم النوم و الراحة و مع ذلك لم يصلون بعد ..
يحرمون أنفسهم كثير من المـُتـَع من أجل بلوغ أحلامهم، ثمّ يضجّون بالعثرات
و العقبات، فيشعرون بالعجز .. يشعرون باليأس .. و الإحباط .
يتمنون لو لم يحلموا بشيء .. لو ليس هناك طموح !
لماذا يتعجّل هؤلاء اللاعنون الوصولَ إلى الأهداف ؟
لماذا ييأسون عند ظهور العقبات ؟؟
إن الطموح نعمة، و الحلم متعة، و الهدف المنشود هو سرّ السعادة، و وقود
السير، و إكسير الحياة .
و لكن كل ذلك ملعون في حالة و صور أخرى ..
الطالـِب
أعرفه شخصيا .. من مؤسسي نموذج تدريبي بجامعة القاهرة .. نموذج معني بتأهيل
طلبة الجامعة لسوق العمل بما يتطلبه من مؤهلات و مهارات غير موجودة بالمناهج
المقررة و الكتب الأكاديمية التي تقوم عليها الدراسة.
النموذج مجاني، و يتم تقديمه للطلبة على أنه مجاني، و يتم تقديمه للمسئولين
على أنه خدمة مجانية للمجتمع، و يتم تقديمه في وسائل الإعلام من جرائد و قنوات
فضائية على انه كذلك .. و لكن ..
عندما شاركت أنا في تنظيمه وجدت هذا الشاب المثقف على رأس المؤسسين يطلبون منّا أن نجمع
رسوم من المشتركين بالنموذج قبل دخول المؤتمر النهائي له، مدّعين محاولة عميد
الكلية عرقلة النموذج و كيده و محاربة تمويل النموذج .. و للأسف شاركت في النصب
بكل سذاجة و جهل، ثمّ عرفت فيما بعد أنه طمع المؤسسين الشباب، و ان النموذج يتم
تمويله من عدة شركات مقابل الترويج لتلك الشركات داخل النموذج، أما النموذج نفسه
فلا يضيف للمشاركين فيه أي شيء سوى تضييع الوقت و المعارف الجديدة و العلاقات.
إنه طمح في تكوين نفسه و تأسيس بيت مثله في هذا الطموح مثل جـُلّ الشباب في
تلك الظروف المادية السيئة على الجميع، و وجد أن النصب باسم خدمة المجتمع هي طريقه
المفضلة ..
هنا لا أنصحك بلعن الفتى .. و لكن العن كما تشاء الطموحَ الذي حوّله من إنسان
إلى نصّاب .
*****
السريع
قلبه به من النظافة ما به، و من حبّ الله و رسوله ما به (أحسبه كذلك) ..
متحمّس .. سريع الحركة .. ذكي .. خفيف الظلّ .. باختصار .. لا تستطيع مقاومة
الإعجاب به ..
عرفته في الجامعة و بعد الجامعة انقطعت الإتصالات إلا من وجودنا معا في
قوائم أصدقاء كل منـّا على حسابات الفيسبوك .
فوجئت و انا في عملي برقم غريب يلحّ في الإتصال بي .. و عندما رددت و جدته
هو ..
سعدت بسماع صوته، و عرفت أنه يهاتفني ليخبرني أن هناك فرصة عمل جيدة و باب
رزق يودّ أخباري عنه، و رفض أن يخبرني بتفاصيل حتى نتقابل، فوجدتها فرصة لتجديد ما
ضيـّعته الدنيا و المشاغل من صداقة جميلة، و ربما يرزقنا الله خيرا عن طريق هذا
الفتى الطيب .
اتفقنا على المكان و الزمان، و قابلته في اليوم التالي ليخبرني ما عنده، و
بدأ الحديث، و بعد خمس دقائق اتضح الأمر و بان القصد، و ظلّ قرابة الساعة يحدّثني
عن Q-net، و عن أنها فرصة للثراء حاول اقناعي بشراء منتج من الستة المتاحة
لكي نربح كثير من الأموال ..
في خلال تلك الساعة و تحديدا ً عندما استبان الأمر لي، شعرت بدوار و أنا
أنظر له و أحاول التقاط كلماته و أحاول استيعابها، إذ ظل يردد ما يحفظه من ديباجة
بينما أنا أفكّر في أمر الدنيا و ما تفعله بالناس، و ما تأخذه منهم مقابل أشياء
تافهة تقايضهم بها و يرضون و ينسون قيمة ما ضحوا به مقابل تلك الأشياء التافهة
الرخيصة .
هو يحلم بالثراء و النجاح و النفوذ، و بحث عن طريق سريع، و اختار طريق رخيص
..
يقول انه كسب منها مالا ً، لكنه خسر كثير من الإحترام و الحبّ .
كيف أخذ الطموح من دينه و عقله، و قد كانا أجمل ما فيه ؟؟
لا يسعك هنا إلا قول "ملعون أبوك يا طموح"
*****
الجميلة
كانت هدية الله لأبواها .. كالقمر وجهها، و كالفراشة روحها ..
كانت محلّ إعجاب و انبهار من الأصدقاء و الأقارب و الجيران ..
كان لها حلم .. ولـِدَ في طفولتها و كبر معها و تمنـّت تحقيقه كثيرا ً .. و
هي أن تكون مطربة و نجمة مشهورة ..
أتيحت لها الفرصة لمقابلة منتج، إذ أنها تعمل في مكان يكثر فيه وجود أثرياء
و مشاهير المجتمع ..
طلب منها الرجل صراحة أن تمنحه نفسها مقابل تحقيق حلمها ..
انزعجت و انصدمت و رفضت بصرامة ..
و لم تيأس
.. و عندما جائتها الفرصة الثانية، و التي كانت شبيهة بسابقتها مع تغـيّر
وجه الرجل و اسمه لا أكثر .. لم تـُصدَم .. و رفضت
ثم قررت أن توافق في المرة القادمة ..
"ملعون أبوك يا
طموح"
أمثلة عديدة .. نراها من
بعيد و من قريب .. نراها في قادة و في زملاء و في أصدقاء .. نراها في وسـَط
الإعلاميين و وسـَط السياسيين .
.. و قد نمرّ نحن أنفسنا بمواقف نعاني فيها من الحيرة، أنقبض على مبادئنا و
معتقداتنا و ديننا و انفسنا .. أم نبيع ؟؟
فيقبض الإنسان منـّا
.. و يبيـع غير ذلك
بقلـم/ أحمـد ماهـر
0 التعليقات
إرسال تعليق
إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية