قال تعالى:" لإيلاف قريش إِلافهم رحلة الشتاء والصيف "(لإيلاف قريش إِلافهم): الإيلاف هو: الاعتياد ، والمعنى : من أجل تسهيل الله على قريش وتيسيره لهم ما كانوا يألفونه من الرحلة فى الشتاء إلى اليمن وفى الصيف إلى الشام.
   كيف تألف معصية؟ الإجابة ببساطة أنه فى بداية أية معصية تكون مستنكرة أما لو تم السكوت عنيها فسوف تصبح شيئا فشيئا وبالتدريج وبمرور الوقت مألوفة وعادية وطبيعية ثم بعد ذلك لو أنكرها أحد لاتهمه الناس بالتخلف والجنون ومثالنا على ذلك إيلاف قوم شعيب لمعصية بخس الناس أشيائهم وتطفيف الميزان قال الله تعالى مخبراً عن قول نبيه شعيب عليه السلام: "وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ"(هود: من الآية85)، يقول الأستاذ الدكتور:"ناصر العمر"المعنى إلى هنا مكتمل ، فلقد نهاهم النبي الكريم عن التطفيف في المكيال والميزان، وهو داء انتشر في ذلك المجتمع ، ولكنه عليه السلام لم يقف على أمر الكيل فقط فالتطفيف أعم وأشمل من مجرد انتقاص الناس أقواتهم ، إنه داء قد يوجد في كل جوانب الحياة ، ولذا عم بعد تخصيص فقال: "وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ" (هود: 85) لا تبخسوا من يستحق الاحترام ما يليق به ، لا تبخسوا من يستحق منصباً ما يجب له ، عند الحكم عليه ، أو عند تقييم جهوده ، أو عند ذكر مناقبه وتجاربه ، لا تبخسوا الناس أشياءهم معنوية كانت أو حسية..قال له قومه:"يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد" يعنى قومه تعجبوا مما يقول لأن المعصية بالنسبة لهم أصبحت مألوفة وعادية وغير مستهجنة بل وأصبح الغريب المستهجن هو القيم والمبادئ التى ينادى بها شعيب عليه السلام..فقالوا له:"إنك لأنت الحليم الرشيد"أى ماذا جرى لك ولعقلك لقد كنا نظنك حليما رشيدا عاقلا وكنا نحترم عقلك .. انظروا! لقد أصبح من ينادى بالفضيلة مجنونا أحمق ، ولذلك كانت مهمة الأنبياء فى كل زمان ومكان إعادة الناس لمفهوم العيب والحرام والخطأ بعد أن اعتادوا عليه ولم يعد خطأً.

   وهذا ما نجده فى إيلاف قوم لوط لمعصية الشذوذ التى استشرت فيهم "ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين  ( 28 ) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين  قال رب انصرني على القوم المفسدين (العنكبوت  28،29) ولما نهاهم سيدنا لوط عليه السلام عما يفعلون ثاروا ضده وطالبوا بإخراجه من مدينتهم وقالوا:" أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أُناس يتطهرون"(النمل:56)
لعل الكثير من الشعوب المسلمة عندما تقرأ هذه الآية الكريمة لتتعجب كيف أن أهل بلدة يأمرون بخروج أهل التقوى والصلاح الطاهرين من بلدتهم لمجرد أنهم أُناس طاهرون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرات وليس أي منكر بل هو منكر واضح شاذ لا يفعله إلا المرضى الشواذ .يعنى المعصية والرذيلة بمرور الوقت أصبحت هى العادة أما الفضيلة فقد أصبحت هى الشئ المستغرب.

    وأيضا عبادة الأصنام كانت شيئا مستهجنا فى البداية لكن بمرور الوقت ألفها الناس حتى تعجبوا لمن ينهاهم عنها من الأنبياء.

   ولنعود بالذاكرة إلى وقت قريب كانت فيه الفاحشة مستهجنة ومكروهة فى أوروبا وأمريكا لدرجة أنه نشأت جماعات لمقاومة الزنا وغيره من المنكرات ولكن بمرور الوقت أصبح الزنا واتخاذ الخليلات شيئا عاديا طبيعيا بل أصبح يتهم من ليس له خليلة بأنه غير طبيعى.
يقول الشيخ أبو إسحق الحوينى أنه أثناء رحلته إلى أمريكا كان يقف فى طابور طويل لتخليص بعض الأوراق فوجد رجلا يقبل امرأة فامتعض وجهه لما يرى فقال له أحد الواقفين:هل ضايقك هذا المنظر؟ فقال الحوينى:طبعا ضايقنى جدا لأنى أغار على محارم الله فرد عليه الرجل وقال:"يا سيدى كنا فى بداية مجيئنا إلى هنا يتمعر وجهنا مثلك لهذه المشاهد لكن بمرور الوقت تعودنا."

فاللهم بغض إلينا المعصية وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

0 التعليقات

إرسال تعليق

إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية