بقلم : محمود كرم الدين محمود
ما أصعب الآلام على الإنسان، يلعب الألم دور البطولة من أولى لحظات وجود الإنسان في هذه الدنيا حين يفاجأ بوجوده في الدنيا فيبكي خوفاً من المجهول، ويتصاعد دور الألم رويداً رويداً حين يؤلم الأبوين طفلهما ليزرعا بقلبه الخوف من العقاب إذا ما عصى أمرهما فينشأ صديق جديد بجانب الألم وهو الخوف.

ينشأ الخوف والألم في القلوب بداية ليكون رادعاً عن الإتيان بما يضر، وينتهي دورهم بمجرد أن يتعلم الإنسان ما ينفعه وما يضره فيحل العلم والفهم محل الخوف والألم، فيحدث التوازن بين الشعور بالخوف وأمانة، والشعور بالألم وشفائه.

وحين يتأخر العلم والفهم، يظل الخوف والألم يلعبان دور البطولة في حياة الإنسان مع مراحله التالية، فبعد أن كان دوره إيجابياً في الصغر يتعاظم دوره ليكون كالوحش المفترس ينهش في قلوب كثيرين لا يجدون الأمان من خوفهم ولا الشفاء من آلامهم، ولا يعلمون تحديداً السبب الحقيقي لما يشعرون به، لكن ثمة نقص يحتاج إلى إكمال بداخلهم، وثمة ألم يحتاج إلى شفاء بقلوبهم يسلكون كل سبيل لعلهم يجدون نهاية لحيرة عقولهم.

يطرقون أبواب الحب فلا يجدون مرادهم، ويقفون على أبواب العمل رغم نجاحهم لا يتمكن من إسعادهم، يظل الخوف والألم الشريك الواضح في كل أحداث الحياة لا يقوى أي شيء على محو آثارهم.

نرى الخوف والألم هما الأسلوب المتبع بين كثير من المعاملات، بين الرئيس والمرؤوس، بين الأب وابنه، بين الزوج وزوجته، حتى بين الإنسان ونفسه، حين يغيب العقل والعلم يظل أسلوب التخويف والإيلام هو الحل الأمثل والأسلوب الفعال في حل كل المشكلات، فلا مكان لعلم أو فهم، ولا مكان لنقاش أو تجريب أو تدريب.

فقد غيب دور العقل منذ سنوات بعيدة، وحين يأتي العلم لا يجد العقل الذي يستوعبه، فكيف لعقل خائف أن يتعلم، وكيف لجسد يعتصره الألم أن يتدرب أو يتطور، أصبح الخوف منهاجاً يمنع السؤال أن يخرج من العقول، واستشرى الألم فأصبح لغة تهديد بين كثيرين لا يسمعون بعضهم البعض ولا يدركون حقائق بعض كل ما يرون من أنفسهم في أنفسهم أن البقاء لمن يملك سلطة الإيلام والتخويف فتكالب كثيرين على السلطة مهما كان ثمن الوصول إليه حتى وإن كان الثمن دمار كل شيء.

ليس من شفاء وأمان إلا في طريق واحد لا ثاني له، أن يعترف كل جاهل بجهله، وكل عاجز بعجزه، وكل مخطئ بخطئه، معلنين التوبة عن كل أخطاء الماضي عازمين على التعلم والتفهم، فتتدرب الأجساد بدلاً من الألم، وتتعلم القلوب بدلاً من الخوف، وتحل الأفعال المثمرة محل الانفعالات المدمرة.

0 التعليقات

إرسال تعليق

إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية