بقلم : نرمين كحيلة
هل اللغة العربية فى طريقها للاندثار؟
غزو المصطلحات الأجنبية والثقافة الغربية ظاهرة
خطيرة تهدد مجتمعاتنا العربية والاسلامية
    لغتنا العربية يسر لا عسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها. هكذا قال طه حسين لكنه لو كان يحيا بيننا الآن لمات كمداً وحسرة لما حدث للغة العربية فى بلادنا ؛ فالدستور ينص على أن اللغة العربية هى اللغة الرسمية فى الدولة وهذا يتضح من اسمها:"جمهورية مصر العربية". ويقول الحديث الشريف:"من أراد أن يدخل الإسلام فليتعلم العربية" فاللغة العربية هى دعامة أساسية من دعائم الإسلام فبها نزل القرآن الكريم وبها كُتِبَ الفقه بجميع مذاهبه وبها يقام الآذان خمس مرات كل يوم ، وهى لغة أهل الجنة ، كما أنها تمتاز على كل لغات العالم بطرافتها وغناها وكثرة مترادفاتها وجمال ألفاظها. فلماذا يسخر المصريون من لغتهم وحضارتهم ؟ نحن الشعب الوحيد الذى يسخر من لغته ؛ فالشعب الألمانى يرفض أن يتحدث بأية لغة غير اللغة الألمانية ،
والشعب الفرنسى يرفض أن يتكلم بأية لغة غير الفرنسية ، وكل شعب يعتز بلغته.
    ولقد عمل الاستعمار وأعداء الأمة الاسلامية فى جميع أنحاء الوطن العربى والإسلامى على هدم اللغة العربية ، وسعوا دائماً إلى القضاء عليها وصولاً إلى تحقيق هدفهم الكبير وهو تقويض أركان ديننا وإضعاف قوميتنا وتفتيت وحدتنا ، كما شجعوا الدخلاء على آدابنا ولغتنا كى يحطموا القواعد والأصول والضوابط لها حتى يختلط الأمر على كثير منا فلا نعرف الخطأ الشائع من الصواب المهجور، وانتشر اللحن ، وظهرت الأخطاء فى النطق والكتابة حتى بين المثقفين والكُتَّاب ومحررى الصحف والمجلات ومقدمى نشرات الإذاعة المسموعة والمرئية. وبهذا يكون الاستعمار قد فشل فى احتلالنا عسكرياً ولكنه نجح فى احتلالنا ثقافياً ؛ ففى الجزائر تم طمس الهوية العربية وإحلال اللغة الفرنسية محلها كما فعل ذلك فى دول إفريقية أخرى مثل أوغندة ودول جنوب إفريقيا ، وفى مصر بدأ الغزو الثقافى واللغوى مع قدوم الحملة الفرنسية عام 1798 ثم الاحتلال الإنجليزى عام 1882 ووجود الجاليات الأجنبية المختلفة.
     والتاريخ يشهد بأن مصر كانت دائماً هى البوتقة التى تنصهر فيها كل الثقافات والحضارات ولم تنصهر فى أحد فمثلاً عندما غزاها الهكسوس تمصَّروا ولم يستطيعوا فرض لغتهم وديانتهم على المصريين وهكذا فعل الفرس والليبيون والبطالمة والرومان..نحن الذين علمنا كليوباترا هى وكل الغزاة كيف يكونوا مصريين ، ولكن الأمر اختلف فى العصر الحديث وأصبح من الصعب بل من المستحيل الاحتفاظ بالهوية العربية مع العولمة التى تفرض نفسها الآن بقوة.

     فمن مظاهر الغزو الثقافى أن كثيراً من المحلات والشوارع تحمل أسماءً أجنبية مكتوبة بلغة إنجليزية أو مكتوبة بحروف عربية ولكن نطقها أجنبياً وهذا أسوأ وأضل سبيلاً ، بل إن بعض الآباء والأمهات يتخاطبون مع أبنائهم باللغة الإنجليزية ويتفاخرون بأن لغتهم العربية ضعيفة وأنهم يتحدثون اللغات الأجنبية بطلاقة ويحاولون حشر بعض الكلمات الأجنبية فى كلامهم حتى يقال عنهم أنهم مثقفون ومتحضرون.
    فهل ساهم الإعلام المصرى فى تشويه اللغة العربية وانحدارها ؟ وهل ساهمت المناهج التعليمية فى تخريج جيل جديد من الطلاب لا يعرف شيئاً عن لغته ؟ إن ضعف أبنائنا فى اللغة جعلهم لا يستطيعون فهم القرآن أو حفظه مما نشأ عنه إعوجاجاً فى الألسنة لاتستقيم معه القراءة...إن من يتابع الأفلام القديمة مثل أفلام يوسف وهبى وأمينة رزق وحسين صدقى يلاحظ أن لغة الحوار كانت سليمة وراقية رغم ما بها من ألفاظ أجنبية مثل:"أوتوموبيل"و"فريجيدير"و"منتوفلى" أما الآن فلغة الأفلام والمسلسلات بذيئة ومبتذلة وقد ساهمت السينما والمسرح إلى حد كبير فى تدهور اللغة فمثلاً مسرحية "الواد سيد الشغال" التى قام ببطولتها عادل إمام هناك مشهد فى المسرحية تتم فيه السخرية من اللغة العربية الفصحى بأسلوب يوحى بأنها لغة جافة وقبيحة وذات ألفاظ صعبة وغير مفهومة ، والأمثلة على ذلك كثيرة.

    أيضاً هناك كثير من اللافتات على أبواب المحلات تعلن عن حاجتها لآنسات ذو خبرة وهم لا يعلمون أن كلمة آنسات هى جمع مؤنث سالم وكلمة ذو هى مفرد مذكر ، يعنى أبسط قواعد اللغة لا يعرفونها.. وحتى اللافتات التى تكتب فى الشوارع لإرشاد السائقين والمشاة تكتب بلغة خاطئة. وبسؤال صاحب محل أحذية "برايت شو"(أى الحذاء اللامع) عن سبب تسمية محله بهذا الاسم قال أنه اشترى المحل من سيدة كانت تسميه هذا الاسم وأن السجل التجارى والملف الضريبى يرد بهما هذا الاسم ومن الصعب تغييره لأنه يحتاج لإجراءات طويلة ومعقدة فاضطر لأن يستبقيه كما هو ، وأضاف أن عقدة الخواجة مسيطرة على كل مناحى حياتنا من مأكل وملبس ومشرب وتعليم فلا أحد يشترى منتجات بلده بل يفضلون المستورد ليس لجودته ولكن لمجرد التفاخر بأنه غير مصرى .. ويقسم الرجل أن الصناعة المصرية إذا تم تشجيعها ستتجه نحو الجودة لكن للأسف الثقافة الغربية هى المسيطرة وقال أنه يحب بلده ويتمنى أن تعود لها أصالتها وثقافتها بدلاً من الموضات الغريبة التى انتشرت بين الشباب والملابس الإباحية فالشباب المسلم العربى لم يعد قدوته الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل أصبح قدوته مايكل جاكسون بتسريحة شعره وملابسه وأصبحت أكلته المفضلة هى الهامبورجر الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.

   سألته:إذا افترضنا أن هناك خواجة اشترى محلاً من شخص مسلم يحمل اسم محمد مثلاً فهل سيترك المحل بهذا الاسم أم سيغيره إلى جورج أو جوزيف مثلاً ؟ قال:طبعاً سيغيره بدون شك. قلت:فلماذا نتمسك نحن بالأسماء الأجنبية ؟ قال:الآمال معقودة على الجيل الجديد من الشباب فهو الذى سيعود بنا لثقافتنا الإسلامية ويبدو أن الشعب عندما يتعرض لتدهور اقتصادى وحضارى فإنه يخضع لثقافة من هو أقوى منه حتى لو كانت خاطئة ويحاول تقليدها وبما أن أمريكا هى أقوى دولة الآن فثقافتها هى المسيطرة على العالم كله فمثلاً فى فترة من الفترات كانت الموضة هى المعطف المرسوم على ظهره الصليب وكانت تلاقى إقبالاً كبيراً من الشباب المسلم دون التفكير هل تناسبه تلك الموضة أم لا ؟ وأيضاً تسريحة "كابوريا" تخالف الإسلام فقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أن يحلق المسلم بعض شعره ويترك بعضه.
   ويقول صاحب محل "بيوتى سنتر" عن سبب هذه التسمية أنه يخشى حدوث لبس لدى الناس فلا يفرقون بينه وبين الكوافير إذا كتب على واجهة محله مركز تجميل ؛ لهذا فقد لجأ للاسم الأجنبى وأضاف أنه فى بيته يمنع أولاده من التحدث بأية لغة أجنبية أو أن ينادونه بكلمة "بابى" أو"دادى" كما أنه أبدى قلقه تجاه اعوجاج الألسنة فى قراءة القرآن بسبب ضعف اللغة العربية وعدم الاهتمام بها وأرجع ذلك إلى انشغال الأسرة عن تأصيل العروبة والدين فى نفوس أبنائها فيترك الآباء أبناءهم فريسة للانترنت والدش وكل وسائل التغريب ، ثم طالب بعودة حصص الخطابة فى المدارس.
    أما محل "بلاك فورست" الذى يترجم فى العربية إلى الغابة السوداء فقد قال صاحبه أنه استوحى ذلك الاسم من اسم قطعة جاتوه يبيعها حيث أنه محل للجاتوهات والحلويات ، كما أنه (من وجهة نظره) اسم شيك.. كل هذا يجعلنا نأسف حقاً إذ ليس هناك لغة أشيك من اللغة العربية - إن جاز لنا التعبير- كما أننا لو تمعنا فحوى الاسم لأدركنا مدى قبحه وليس شياكته فكيف يفكر إنسان عاقل أن يشترى أو يأكل قطعة جاتوه من غابة سوداء مظلمة ؟ فهل هذا جهل باللغة أم عدم اعتزاز بها ؟ وهناك محلات أخرى كثيرة تحمل أسماءً أجنبية مثل كوافير "جولدن فينجرز"(الأصابع الذهبية) ومحل "واى نوت"(لماذا لا ؟) ومحل "فاست بريك" (الافطار) ومحل "رهف" لبيع الطرح للمحجبات الذى دفعنى فضولى لدخوله فسألت العاملة به: أتعرفين ما معنى كلمة رهف ؟ قالت: هو اسم جميل لكنى لا أعرف معناه فقلت لها:هى كلمة عبرية تعنى تنين متوحش صارع الرب قبل بدء الخليقة وهو مذكور بالتوراة ، فتعجبت الفتاة وقالت أنها سوف تطلب من صاحب المحل أن يغير هذا الاسم القبيح.
   وعلى واجهات المحلات أصبح مصطلح "كوافير" حالياً يحل محل كلمة "مزين" قديماً التى كانت تحمل معنى أجمل كثيراً) أو مصفف شعر ، و"سوبر ماركت" بدلاً من سوق أو بقالة ، و"جاليرى" بدلاً من معرض وحتى من لديه قط أو كلب يسميه اسماً أجنبياً ، وأسماء معظم المنتجات فى الأسواق أجنبية رغم أنها مصرية وفى الشركات حلت كلمة "مستر وميس" محل كلمة أستاذ وأستاذة وكذلك فى المدارس أصبحنا نقول:"كى جى وان" و"كى جى تو" وعند الانصراف نقول "باى" بدلاً من مع السلامة أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    ويقول دكتور حامد عونى-الأستاذ الأسبق بكلية اللغة العربية أن الله تعالى جعل من سنته أن يكون بين الأمة ولغتها صلة فى الرفعة والانحطاط ، والموت والحياة فكلما ارتقت اللغة ارتقت منزلتها وكلما انحطت الأمة انحطت لغتها ، كذلك تحيا اللغة بحياة الأمة وتموت بموتها ، تلك سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً. وإذا كان لسان المرء أحد أصغريه المقومين له ونصفه المنضم إلى فؤاده ليكونا وحدته- لسان الفتى نصف ونصف فؤاده- فالأمة كذلك لسانها أحد أصغريها ، ونصفها المتمم لوجودها ؛ ومن ثم ندرك سر عناية الأمم القوية بنشر لغتها وفتح دور العلم وتشجيع الناس-ببذل الجوائز والهدايا- على الاقبال عليها. وهذا معناه أن اللغة عنوان الأمة ، وأن رقيها وامتداد ظلها هو رقى للأمة وامتداد لسلطانها.

    أما الدكتور سيد عبد الغفار – الأستاذ بقسم اللغة العربية جامعة الأسكندرية -فيقترح أن تسن الدولة قانوناً يمنع أصحاب المحلات وشركات الأدوية من تسمية المحلات والأدوية بأسماء أجنبية فما دام الدواء يصنع فى مصر ومن قبل شركة مصرية فالأولى به هو الاسم العربى ، ويجب توقيع غرامة على المخالفين ، وهناك طفل ما قبل المدرسة يحفظ الكثير من الكلمات الأجنبية ويفرح به أهله حينما يتلفظ بها فلماذا لا نحفظه بيتاً من الشعر العربى البسيط يحوى كلمات عربية كحصيلة لغوية ؟ كما يجب أن نفتح مدرسة تحسين الخطوط التى كانت قائمة من قبل وأغلقت لأن الخط العربى فيه جمال ويجب أن يساهم المجمع اللغوى فى إقامة ندوات عن أهمية اللغة العربية ، وأضاف أن الألفاظ الجديدة بين الشباب أخطر ما يكون على اللغة العربية. صحيح أن كل طائفة لها لغتها يعنى مثلاً فئة الصناع لها لغة وفئة الزراع لها لغة وفئة السباكين والكهربائية لها لغة لكن فئة المثقفين من شباب الجامعات يجب أن يعلوا بشأن اللغة ولا يهدمونها ، فهناك كلمات بذيئة وركيكة ومنفرة مثل كلمة"روش" بمعنى متمشياً مع الموضة وكلمة "طحن" بمعنى جداً وكلمة "ستايل" أى أحدث موضة وكلمة "نيو لوك" أى التغيير إلى شكل جديد وكلمة "احلق له" أى اجعله ينصرف وكلمة "نفض له" تقال للمكبوس و"كبر الجمجمة" أى كن عاقلاً ولا تؤاخذ الناس بافعالهم و"شنكوتى" أى زير نساء....إلخ.

    وقد ساهمت الأغانى الهابطة فى ترويج مثل هذه الكلمات التى يعاف اللسان عن ترديدها. وتعليقاً على كلام الدكتور سيد عبد الغفار فإن الخط العربى يعتبر من أجمل الخطوط فى العالم ويكفى أن نعرف أنه عندما سقطت الأندلس فى يد الأسبان وقاموا بتدمير القصور والمساجد وكل شئ يخص المسلمين كان الرجل يأخذ اللوحات المكتوبة لإعجابه بروعتها وجمالها ويعلقها ببيته وهو لا يعلم أن ما علقه على جدران بيته هو عبارة:"بسم الله الرحمن الرحيم" أو"الله أكبر" أو أية آية قرآنية.

   وهناك صورة أخرى لهدم اللغة العربية والتطاول على معتقداتنا الدينية وهى مصطلحات لو تعمقنا فيها لوجدناها محرمة ومثال ذلك - كما يقول الشيخ مسعد أنور- الحلف بغير الله مثل قولنا: "والنبى" أو "والكعبة" أو "وشرفى"أو "والمصحف الشريف "أو "والنعمة الشريفة" وسب الدين والاستهزاء بالله ورسوله وكتبه فى النكات مثلاً ، فينبغى أن نعلم أن هذه المواضيع لا تصلح مادة للمزاح وأيضاً توجيه اللوم لله عند نزول المصائب وسب القدر الإلهى لأن هناك نوعان من القدر:قدر يصنعه الإنسان لنفسه مثل السرقة والقتل وغيرهما، وقدر يصنعه الله لعباده مثل الموت والرزق.. وقولنا للزرع الذى نبت دون تدخل الإنسان أنه زرع شيطانى بل الصحيح أن نقول:زرع ربانى لأن الشيطان لا يزرع بل الله هو الذى ينبت الزرع.. ومثل قولنا للشخص الذى مات ربنا افتكره وهذا خطأ لأن الله لا ينسى أحداً من عباده حتى يتذكره وقولنا "سأعتمد على الله وعليك" لأن الواو تفيد الندية والأصح أن نقول:سأعتمد على الله ثم عليك لأن كلمة "ثم" تفيد الترتيب والتراخى يعنى الله أولاً ثم الإنسان ثانياً. وهناك مقولات شائعة تدعو إلى التذلل لغير الله والإمعية مثل المثل القائل "إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدى" و"أربط الحمار مطرح ما يعوز صاحبه" وإذا نزلت فى أرض أهلها يعبدون العجل حش وادى له"
والسؤال الآن: إذا كان عبد الملك بن مروان قد عرب الدواوين فهل نحن بحاجة لكى نعرب كل حياتنا ؟  

0 التعليقات

إرسال تعليق

إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية