لمتابعة صفحة رؤية على الفيس بوك اضغط هنا
بقلم : نرمين كحيلة
هكذا قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان وكان يقصد هؤلاء الذين احترفوا مدح الحكام الظالمين لأن ذلك يقويهم على ظلمهم ويجعلهم يتمادون فيه ، وكأنه ينظر بعينه الثاقبة لما يحدث الآن من مدح ونفاق للحكام العرب ؛ فهناك من يمدح خوفا أو طمعا وهؤلاء ستجدهم فى كل زمان ومكان فقد  ارتبط شعراء العصر العباسي مثلا ببلاط الخلفاء والملوك ، ومجالس الأمراء والولاة ، ولكونه السبيل الأول للحظوة عند أولي الأمر، والطريق الأقصر لبلوغ الشهرة المنشودة. .

   وكما اقترن شعر المديح بالموقف السياسي في العصر الأموي ، حين كان للخليفة شعراؤه الذين يمدحونه وينالون عطاياه ، بقي الحال على هذا الغرار في ظل الحكم العباسي ، فاصطنع خلفاؤه شعراء موالين لهم لزموهم في حلهم وترحالهم ، وخصوهم بمدائحهم ودافعوا عن حقهم في حكم المسلمين. وقد ظهر في عهد الخلفاء الأوائل عدد وفير من هؤلاء الشعراء مثل بشار وأبي العتاهية والسيد الحميري وأبي نواس وقد فاق الخليفة المهدي سلفيه في تقريب الشعراء وإكرامهم ، فأكثروا فيه القول وغالوا في الثناء..
    ومضى الخليفة هارون الرشيد بعد ذلك إلى مدى أبعد في رعاية الشعر وتقريب الشعراء طوال حكم قوي زاهر دام اثنتين وعشرين سنة. ويقول الرواة إنه لم يجتمع بباب أحد ما اجتمع ببابه من الشعراء ، ومن مداحه ابن مناذر ومروان بن أبي حفصة ، وأصبح لإطراء الممدوح حيز أكبر لدى شعراء هذا العصر. .


    وقد غاص عدد من الشعراء فى ذلك العهد فى بحر السياسة وخاضوا بشعرهم معركة ولاية العهد بني الأمين والمأمون ، فانتصر بعضهم لهذا وبعضهم لذاك في قصائد تداخلت فيها المعاني المدحية والآراء السياسية.

   غير أن موضوع المديح لم يبرأ من بعض العيوب التي شابتها في هذا العصر، وفي مقدمتها المبالغة والتهويل ، فلم يعد ما قاله الأوائل مثلاً في صدد شعر زهير بن أبي سلمى من أنه «لم يكن يمدح الرجل إلا بما فيه» منحى مطلقاً ، بل أسرف الشعراء على أنفسهم في ذلك ، وغالوا أحياناً في إسباغ الصفات الخارقة على ممدوحيهم.
ومن هذا القبيل قول أبي نواس في الخليفة الأمين:
وأخفـت أهــل الشــرك حتى إنــها          تخافــك النطـف التي لــم تخلق

    فمثلا البحترى نشأ فقيرًا
وانتهى غنياً ، لأنه كان يسعى مثل شعراء عصره الى الاكتساب من مدح الخلفاء والوزراء والكتاب والقوّاد. وقد سعى البحتري جهده في ذلك ، فاكثر من شعر المديح يفتتحه بالغزل ويضمنه بالحكمة ، والعاطفة ، والفخر والوصف وتسجيل حوادث العصر.

واتصل البحتري بالخليفة المتوكل ، وصار يرافقه ويؤانسه ويسجل مآثره زهاء خمسة عشر عاماً


وقد هجا المستعين بعدما آلت الخلافة الى المعتز، ومن المعتز نال جاهاً ومالاً كثيراً.
وهكذا أصبح المديح بيع وشراء ، وأخذ وعطاء
ومن هذا الباب ينسب الشعراء إلى الأمراء فالمتنبي شاعر سيف الدولة
ومن هذا المنطلق قيل إن المتنبي الشاعر الكبير لا يليق به أسلوب التملق هذا.

    أما جزاء المداحين فى الإسلام فهذا نص ما رواه البخاري في الأدب المفرد :أن رجلا كان يمدح رجلا عند ابن عمر فجعل ابن عمر يحثو التراب نحو فيه وقال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب
قال الشيخ الألباني : صحيح

    وفي صحيح مسلم أن رجلا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد فجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما فجعل يحثو في وجهه الحصباء فقال له عثمان ما شأنك ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب .
 
    وعن أبي موسى رضي الله عنه قال  : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح فقال : أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل.

   وروى أيضا في اليوم والليلة عن ثابت عن أنس وعن بن عبد الجبار عن حماد عن ثابت وحميد عن أنس : أن ناسًا قالوا : يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا ، فقال : يا أيها الناس قولوا : بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله ورسوله ، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل  . رواه البيهقي من حديث حماد ، وهو حديث جيد الإسناد . ص: 456  وفي البخاري من حديث ابن عباس عن عمر مرفوعا  : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد الله ورسوله  قال النووي : هذا الحديث قد حَمَلَهُ على ظَاهِرِهِ المقدادُ الذي هو رَاوِيهِ ووافقه طائفة ، وكانوا يَحْثُونَ التراب في وجهه حقيقة ، وقال آخرون : معناه خيِّبُوهُم فلا تُعْطُوهم شيئا لمدحهم ، وقيل : إذا مُدِحْتُم فاذكروا أنكم من تراب ، فتواضعوا ولا تعجبوا

والْمَدْحُ الْمَنْهيّ عنه هو ما كان فيه مُبالَغة أو ما خُشي على صاحبه الْعُجْب

روى البخاري ومسلم من طريق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال : أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ويلك قطعت عُنُقَ صاحبك ، قطعت عنق صاحبك مرارا ، ثم قال : من كان منكم مادِحاً أخاه لا محالة فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه ، ولا أزكي على الله أحدا ، أحسبه كذا وكذا ، إن كان يعلم ذلك منه .

قال ابن بطال : حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العُجب لِظَنِّه أنه بتلك المنزلة ، فربما ضَيَّع العمل والازدياد من الخير اتِّكالا على ما وُصِفَ به ، ولذلك تأول العلماء في الحديث الآخر : " احثوا في وجوه المداحين التراب " أن المراد من يمدح الناس في وجوههم بالباطل . وقال عمر : المدح هو الذبح . قال : وأما من مُدِحَ بما فيه فلا يدخل في النهي فقد مُدِحَ صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يَحْثُ في وجه مادِحِه تُرابا .

فالمنهي عنه المبالغة والكذب في الْمَدْح

وليس كل مادِح يُحثَى في وجهه التُّراب
إنما يُحثى في وجوه المدّاحين

و ومدّاح صيغة مُبالَغة
أي من يَكثُر ذلك منه



وقد قال أبو داود في باب ( كراهية التمادح ) : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : أنت سيدنا . فقال : السيد الله تبارك وتعالى . قلنا : وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا ، فقال : قولوا بقولكم أو بعض قولكم ، ولا يسخر بكم الشيطان  . إسناد جيد رواه أحمد ورواه النسائي في اليوم والليلة من طرق .
قال ابن الأثير في النهاية : أي هو الذي يحق له السيادة ، كأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع ، ومنه الحديث لما قالوا : أنت سيدنا ، قال : قولوا بقولكم . أي : ادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله ، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم ، فإني لست كأحدهم ممن يسودكم في أسباب الدنيا .
  
    دخل رجل على معاوية بن أبى سفيان يمدحه فنهاه معاوية وقال:"إن كان فىَّ ما تقول فأنا أعرف نفسى ولا حاجة بى لسماعه منك وإن لم يكن فىَّ فأنت تنافقنى".

   قيل لعمر بن عبد العزيز : جزاك الله عن الإسلام خيرا ، فقال : لا بل جزى الله الإسلام عني خيرا .
   ثم تطور الأمر فى العصر الحديث ليصبح مقالا فى جريدة تؤيد الرئيس الملهم الموحى اليه أو أغنية عن إنجازاته العظيمة الضخمة واخترناه وبايعناه واحنا معاه لما شاء الله . هل علمتم الآن لماذا أمر نبينا الكريم بأن نقذف التراب فى وجوه المداحين (المنافقين) ؟  لأن ذنب شهداء الثورات العربية فى أعناق هؤلاء المداحين.

0 التعليقات

إرسال تعليق

إذا كنُّا قدمنا لك الفائدة من خلال الموضوع المعروض لا تنس وضع تعليقك ورجاءً عدم وضع روابط إعلانية